
قرار يعيد تشكيل شوارع الخرطوم
متابعات _ النورس نيوز _ في خطوة مثيرة للجدل، بدأت حكومة ولاية الخرطوم فعليًا في تنفيذ خطة جديدة لتنظيم مهنة بيع الشاي والمشروبات، وهي المهنة التي تشكل مصدر دخل رئيسي لآلاف النساء في العاصمة. جاء هذا التحرك بعد سلسلة من قرارات الطوارئ التي صدرت سابقًا ومنعت البيع المتجول والأكشاك العشوائية المنتشرة في الشوارع والميادين العامة، وهو ما أثار ردود فعل متباينة بين مؤيدين يرون فيه تنظيمًا حضريًا مطلوبًا، ومعارضين يتخوفون من أن يؤثر سلبًا على الفئات الضعيفة.
وترأس والي الولاية أحمد عثمان حمزة اجتماعًا موسعًا ضم عددًا من الوزارات المختصة من بينها المالية، الشؤون الاجتماعية، البنى التحتية، والتنمية الاقتصادية، وذلك بهدف مناقشة مصفوفة بدائل عملية تُراعي الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لهذه المهنة. وبحسب ما تم تسريبه من مداولات الاجتماع، فإن الخطة لا تستهدف وقف النشاط بشكل كامل بقدر ما تهدف إلى تنظيمه في إطار بيئي وصحي أفضل. فقد تم التأكيد على ضرورة وضع تصاميم حضرية حديثة لأكشاك البيع، وتوفير خدمات المياه والكهرباء، على أن يتم إنجاز ذلك خلال أسبوعين فقط.
وفي بادرة دعم واضحة، أعلنت وزارة المالية استعدادها لتمويل المبادرة من خلال آلية قروض دوّارة وصناديق دعم اجتماعي، بينما كلّفت وزارة الشؤون الاجتماعية بإجراء مسح ميداني دقيق لحصر البائعات ومعرفة احتياجاتهن، سواء على صعيد التدريب أو التمويل، تمهيدًا لإعادة دمجهن في مشاريع صغيرة تحقق لهن دخلاً مستدامًا. ويأتي هذا التوجه في وقت تشهد فيه العاصمة ضغوطًا متزايدة جراء التوسع العشوائي وارتفاع الشكاوى المتعلقة بالمظاهر السالبة التي ترافق بعض مواقع البيع، خاصة في الفترة المسائية.
وكانت لجنة أمن الولاية قد أصدرت في أبريل الماضي قرارات مشددة منعت التسول وبيع الأطعمة والمشروبات في الشوارع، معتبرة ذلك جزءًا من خطة أوسع لاستعادة النظام العام. وقد ترافقت هذه الإجراءات مع تحديات أخرى لا تقل تعقيدًا، أبرزها انقطاع المياه وتدهور خدمات الكهرباء نتيجة أعطال متكررة وسرقات تعرضت لها محطات التوزيع، مما دفع الجهات الرسمية إلى إقرار خطة طوارئ دائمة للحفاظ على استمرارية الخدمات الأساسية.
وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة إلى القرار، إلا أن السلطات شددت على أن الهدف هو تحقيق بيئة حضرية آمنة، وليس التضييق على أصحاب المهن البسيطة، مؤكدة أن أي تنفيذ للإجراءات سيتم في إطار اجتماعي متكامل، يشمل تدريبات مهنية، تمويل مشاريع بديلة، وتخصيص أسواق ثابتة ومُسيجة مزودة بخدمات النظافة والحماية، لضمان عدم تضرر الشرائح الفقيرة.
ومن المرتقب أن تُعرض التصاميم النهائية وخطة التمويل على مجلس وزراء الولاية لاعتمادها، تزامنًا مع انطلاق حملات توعية مكثفة ستتولاها المحليات لتعريف البائعات بالتفاصيل والإجراءات المقبلة، وجدولة الانتقال إلى مواقع العمل الجديدة. وأكد والي الخرطوم في ختام الاجتماع أن حكومته لا تسعى إلى قطع أرزاق الناس، بل إلى إعادة تنظيم النشاط بما يراعي الصحة العامة ويحفظ للنساء العاملات مصدر دخلهن الأساسي، مشيرًا إلى التزام الحكومة الكامل بتوفير بدائل آمنة وإنسانية للجميع.