
متابعات ــ النورس نيوز
في عمق القارة الأفريقية، بعيدًا عن أضواء الإعلام وضجيج الدبلوماسية، تنسج إسرائيل شبكة نفوذ خفية تتغلغل في مفاصل الأنظمة الأمنية والسياسية هناك، وعبر وعود التعاون التقني والتدريب العسكري يقود جهاز الموساد حملة اختراق واسعة، تستغل هشاشة بعض الأنظمة والفجوات الأمنية لترسيخ حضور إسرائيلي دائم في القارة.
من أوغندا إلى إثيوبيا، ومن نيجيريا إلى جنوب أفريقيا، تتكشف معلومات عن تجنيد عناصر محلية، واستخدام أدوات مراقبة إلكترونية متقدمة عبر شركات مدنية تبدو في الظاهر تنموية لكنها في جوهرها أذرع استخباراتية تخدم أهدافًا أمنية وسياسية.
هذا التغلغل، الذي تصاعد بشكل ملحوظ بعد عملية السابع من أكتوبر 2023، تحاول إسرائيل من خلاله تشكيل رافعة سياسية لها في المحافل الدولية، واستمالة مواقف دول أفريقية لطالما ارتبطت تقليديًا بدعم فلسطين.
في هذا التقرير، نكشف خفايا هذه اللعبة الاستخباراتية، ونرسم خريطة النفوذ الإسرائيلي في أفريقيا، حيث تختلط المصالح الأمنية بالصفقات السياسية، وتذوب الحدود بين الدبلوماسية والتجسس.
جذور النفوذ
بدأ اهتمام إسرائيل بأفريقيا منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث لم تكن القارة مجرد حديقة خلفية للنفوذ الغربي، بل أصبحت ساحة صراع خفي، وكان جهاز الموساد أحد أبرز اللاعبين في هذا المشهد الصامت.
وعبر برامج التعاون الفني والمساعدات الزراعية والدورات الأمنية، أرسلت إسرائيل آلاف الخبراء والمستشارين، ليس فقط لتأهيل كوادر أفريقية، بل لبناء نفوذ استخباراتي طويل الأمد، خاصة في دول مثل إثيوبيا وأوغندا والكونغو وجنوب السودان وجنوب أفريقيا، كما ورد في الورقة البحثية.
ولم يكن هذا الحضور تنمويًا فحسب، بل كان غطاءً متقنًا لعمليات تجنيد وتنسيق مع أجهزة الأمن، وهو ما تؤكده وثائق استخباراتية مسرّبة عُرفت باسم “كابلات التجسس” (Spy Cables)، التي كشفت عن شبكات نشطة للموساد تعمل داخل القارة الأفريقية بتسهيلات دبلوماسية ولوجستية.
الهياكل الموازية.. شبكات غير رسمية
وبموازاة القنوات الرسمية، كانت هناك شبكات موازية غير رسمية تُسخّر لخدمة الأهداف الأمنية الإسرائيلية، أبرزها شبكات المتعاونين المحليين والجاليات اليهودية في أفريقيا.
يُشار إلى ما يُعرف بـ”سايانيم” (Sayanim) -وهم متطوعون من أبناء الجاليات اليهودية في الخارج- كأحد عناصر الدعم اللوجستي غير الرسمي لجهاز الموساد، بحسب ما أورده الضابط السابق في الجهاز فيكتور أوستروفسكي في مذكراته.