مقالات

إبراهيم شقلاوي يكتب… العبور إلى حكومة الكفاءات

مقالات _ النورس نيوز

العبور إلى حكومة الكفاءات

بقلم: إبراهيم شقلاوي – وجه الحقيقة

مقالات _ النورس نيوز _ بعد شهور من الترقب والتعقيدات السياسية، أعلن رئيس الوزراء د. كامل إدريس، أمس، استكمال تشكيل “حكومة الأمل”. هذه الحكومة، التي تأخر إعلانها نتيجة لتعقيدات التوازنات السياسية والمجتمعية، مثّلت لحظة فارقة بما حملته من محاولات جادة لإعادة هيكلة الدولة وبناء الثقة بين المواطنين ومؤسساتهم.

 

لم تكن مهمة التشكيل سهلة، إذ واجه رئيس الوزراء تحديًا كبيرًا في الموازنة بين متطلبات تمثيل القوى المسلحة، والضغوط المناطقية، وأولوية الكفاءة، مع ضرورة تمثيل الشباب والنساء. هذا التوازن الدقيق جعل من عملية اختيار الوزراء مهمة معقدة ومرهقة. ويبدو أن التحدي الأكبر كان في الجمع بين الكفاءة والتمثيل دون الإخلال بتوازنات هشة، وهو ما انعكس في طول مدة التشكيل والتبديل المتكرر لبعض الأسماء حتى اللحظة الأخيرة.

 

 

من أبرز ملامح الحكومة الجديدة، تعيين الدكتورة لمياء عبد الغفار وزيرة لشؤون مجلس الوزراء، في خطوة تُعد الأولى من نوعها على صعيد تمكين النساء في المناصب التنفيذية العليا. ويأتي تعيينها ليس فقط في إطار التمثيل النسائي، بل بناءً على كفاءتها المهنية، إذ تحمل سجلًا ثريًا في مجالات التخطيط الاستراتيجي، والتنمية، وقضايا المرأة، مما يعزز أداء الجهاز التنفيذي عبر نهج مؤسسي متناغم.

 

 

وفي وزارة الخارجية، أثار تكليف السفير عمر صديق نقاشًا واسعًا، بسبب عدم منحه الحقيبة كاملة، رغم خبرته الممتدة في العمل الدبلوماسي بين سويسرا وبكين، وتعامله الطويل مع المنظمات الدولية. وفي وقتٍ يحتاج فيه السودان إلى تحرك دبلوماسي نشط لإعادة التموضع إقليميًا ودوليًا، أُثيرت تساؤلات حول نية رئيس الوزراء تولي الحقيبة بنفسه، وهو ما وصفه الكاتب بـ”الخلل البنيوي”، نظرًا لما قد يسببه من إرهاق تنفيذي وغياب قيادة متفرغة للملف الخارجي.

 

 

 

في المقابل، يُعد ترفيع السفير عمر صديق لتولي وزارة الخارجية خيارًا متوازنًا أكثر من ترك المنصب لرئيس الوزراء، لكونه يحمل الكفاءة والخبرة التي تفرضها طبيعة المرحلة.

 

وعلى صعيد الكفاءات الفنية، برزت تعيينات لقيادات مهنية لامعة؛ حيث تولى المهندس المعتصم إبراهيم وزارة الطاقة، وهو المدير العام السابق لشركة “شل” بالسودان، ثم بجنوب أفريقيا، ما منحه خبرات متقدمة في قطاع الطاقة والبترول على المستويين الإقليمي والدولي. كما يرأس إبراهيم حاليًا مجلس أمناء جامعة شندي، بما يعكس دمجًا بين الجانب الأكاديمي والتطبيقي، ورؤية تجمع بين التطوير المؤسسي وتوطين المعرفة.

 

 

 

وفي وزارة التحول الرقمي والاتصالات، جاء تعيين المهندس أحمد الدرديري غندور، القادم من قطاع الاتصالات، ليقود هذا الملف الحيوي. يمتلك غندور خبرة تتجاوز 17 عامًا، ويُعد من المتخصصين في مجال أمن المعلومات والتقنيات الحديثة، ما يؤهله لدفع عملية التحول الرقمي ومواكبة التطورات التقنية.

 

 

أما في التعليم، فقد أسندت الوزارة إلى الدكتور التهامي الزين حجر، أستاذ الكيمياء ورئيس قسم الكيمياء بجامعة بحري سابقًا، مما يعكس توجهًا لاستمرار جهود إصلاح قطاع التعليم المتأثر بالحرب. في حين تولى البروفيسور أحمد آدم حقيبة وزارة الشباب والرياضة، في مسعى لإعادة الاعتبار لهذا القطاع المحوري في تنمية الطاقات الوطنية وتوجيه الشباب.

 

 

تنظيميًا، واجهت الحكومة تحديًا إضافيًا في عملية دمج بعض الوزارات، وهو ما يستدعي ضرورة إصدار إعلان واضح بشأن اختصاصات كل وزارة، لتفادي تضارب الصلاحيات وتحقيق التنسيق بين المؤسسات. فقد شهد التشكيل دمج وزارات كوزارة الري والزراعة، والخارجية مع التعاون الدولي، وهو ما يتطلب توضيحًا إداريًا دقيقًا لتسريع الأداء التنفيذي وتقليل التعقيدات البيروقراطية.

 

 

 

رغم استكمال أغلب الحقائب، لا تزال وزارتا البيئة والخارجية بانتظار الحسم الكامل. ويُرجّح أن تُسند وزارة البيئة إلى شخصية نسائية لاستكمال التمثيل النسائي في الحكومة، بما يعكس التزامًا بتعزيز دور المرأة في إدارة الشأن العام.

 

 

ووفقًا لـ”وجه الحقيقة”، فإن حكومة الكفاءات الوطنية الجديدة تمثل لحظة مفصلية في مسار الانتقال السياسي في السودان، حيث تتقدم الكفاءة على المحاصصة، وترتفع الآمال بأن تتمكن هذه الحكومة من تجاوز الأزمات الراهنة. إلا أن التحدي الحقيقي لا يكمن في إعلان الأسماء فقط، بل في اختبار قدرتهم على تحويل الإرادة السياسية إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع.

 

 

فنجاح هذه الحكومة سيقاس بمدى قدرتها على بناء مؤسسات فعالة، واستعادة الثقة الشعبية، وإرساء دعائم العدالة والتنمية والسلام. فالأمل لم يعد شعارًا، بل استحقاقًا وطنيًا يتطلب الرؤية الواضحة، والشفافية، والعمل المسؤول.

دمتم بخير وعافية.
الثلاثاء 29 يوليو 2025م
Shglawi55@gmail.com

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى