
رفع الحظر الأوروبي عن شركات الطيران السودانية.. بين الواقع والمطلوب
كتب سامي محمد الامين
منذ أكثر من عقد، تفرض المفوضية الأوروبية حظرًا شاملًا على شركات الطيران السودانية، التي تستخدم طائرات مسجلة بالسودان او من دول يشملها الحظر الاوروبي يمنعها من عبور الاجواء أو الهبوط في المطارات الأوروبية.
فرغم ما قد يُثار من تفسيرات سياسية، فإن جوهر القرار يظل فنيًّا، استند إلى تقييمات دقيقة أجرتها الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران (EASA) بناءا على عدة ادعاءات تجاه تطبيق نظام السلامة ضمن قطاع الطيران المدني ، من أبرزها:
ضعف فعالية الرقابة الفنية على مشغلي النقل الجوي( العنصريين الحرجين السابع والثامن للسلامة).
عدم وجود استقلالية تنظيمية لآليات التحقيق في الحوادث الجوية( حيث لازالت ادارة التحقيقات والحوادث ضمن سلطة الطيران المدني علي الرغم من وجود قرار من مجلس الوزراء بانشاء كيان مستقل .
معظم الاجراءات والادلة الملحقة التشريعات واللوائح المنظمة لم تتم مراجعتها حتي الان ( معظم الاجراءات الخاصة باللوائح الملغية لا زالت ساريه بذات المرجعيات القديمة علي الرغم اعتماد لوائح جديدة هي السوكار) .
وبناءً عليه، تم حظرجميع شركات الطيران السودانية في اللائحة السوداء الأوروبية (EU Air Safety List)، في مشهد ألقى بظلاله الثقيلة على صناعة النقل الجوي في السودان.
ولتلمس الطريق نحو معالجة امر الحظر لابد من مناقشة الاتي
أولًا: تطور نظام مراقبة السلامة الجوية في السودان – نظرة من داخل تقارير ICAO
شهد السودان منذ عام 2000 سلسلة من عمليات التدقيق الفني من قبل ICAO ضمن برنامج التدقيق USOAP، وهي كالتالي:
1. تقرير تدقيق 2000 (المرحلة الأولى) حيث كان من ابرز ماجاء فيه غياب تشريعات متوافقة مع ملاحق الإيكاو (1، 6، 8) مع نقص الكوادر المؤهلة للتفتيش الفني اضافة لعدم وجود لوائح تنفيذية تنظم الرقابة على السلامة الجوية.
2. تقرير 2005 ( تم تطوير لوائح ال ANRs وبعدها تغيرت منهجية التدقيق الانتقائية الي النهج الشامل) شمل التقرير علي اكثر من ٨٠ منقصة بنظام السلامة مما حدا بالدولة في البدء في محاولة إنشاء إطار تنظيمي مستقل للرقابةمع تحديث لتشريعات السلامة حيث تم اصدار قانوني تنظيم الطيران المدني2010 وقانون سلامة الطيران المدني2010 وبداية اعتماد لوائح جديدةsucars .
3. تقرير 2011 (اتباع نهج المراقبة المستمرة CMA حيث تم إدخال تعديلات تشريعية وإنشاء إدارات جديدة للرقابة وتمت مشاركة فنية في برامج تدريبية إقليمية.ولكن غياب الاستراتيجيات المستدامة، وعدم مواءمة اللوائح مع آخر تحديثات الإيكاو كان من ضمن النواقص وتحديث الاجراءات Scaps مع اللوائح الجديدة ظل متلازمة تقدح دوما في نظام المراقبه.
4. مهمة التحقق 2012
تم ازالة شواغل السلامة وكانت هنالك استجابة جزئية لملاحظات 2011.
إدخال نظام أولي لبرنامج الدولة للسلامة SSP.
5. مهمة التحقق المنسقة 2014 (نهج المراقبه المستمرة ICVM) كام من ابرز النتائج إزالة المخاوف الجوهرية المتعلقة بترخيص الطيارين ورفع معدل الامتثال في مجالات التشريع، التراخيص،والتدريب والهيكل التظيمي والملاحة الجوية وظلت مسائل التقدم في التفتيش واليات معالجة النواقص تحتاج الي مزيد من الجهد والتطوير.
ثانيًا: مؤشرات التقدم في مراقبة السلامة – هل اقترب السودان من المعايير الأوروبية؟
بين عامي 2011 و2015، تحسنت فعالية نظام السلامة في السودان وفق ICAO كما يلي:
من 48% إلى 73.81% في مؤشر Oversight Effectiveness.
قرب السودان من المعدل العالمي البالغ 77%.
أسباب هذا التحسن:
صدور قانوني تنظيم الطيران المدني ..(لاحقا قانون السلطة٢٠١٨) وقانون سلامة الطيران المدني 2010.( التعديلات التي اجيزت في العام 2023 ارجعت سلطة الطيران للمربع الاول وهو امر محزن اذا ان ولاية المالية علي المال العام كانت محققه في ظل القانون السابق.
تطوير إجراءات الترخيص والفحص الفني.
تعزيز التدريب، وإيجاد وحدات رقابية مستقلة في المطارات والملاحة الجوية .
ومع ذلك، لازالت هنالك تحديات حقيقية تعيق الوصول إلى الامتثال الكامل.
ثالثًا: لماذا لم يُرفع الحظر رغم التقدم؟
رغم التطورات، لم تُترجم إلى رفع الحظر للأسباب التالية:
تقييمات الاتحاد الأوروبي تعتمد على آليات مستقلة عبر EASA، وليس فقط على تقارير ICAO.
عدم تطور الالتزام بالعنصر الحرج رقم 8 الخاص بوجود اليه لتصحيح القصور .
لم تتم مؤامة ال “Procedures & Process” مع اللوائح الجديدة حيث ظلت الاجراءات السابقة بدون مؤامة مع اللوائح الجديدة وهو عمل ضخم يحتاج الي خبرات فنيه عالية ومرجعيات
كما أن غياب استراتيجية للتفاوض المباشر مع الاتحاد الاوربي قد أعاق استثمار التحسن الفني في تطوير خارطة طريق متفق عليه بين الجانبين لرفع الحظر يكون الالتزام فيه واضح من جانب السودان بتوفير كافة الالتزامات التي تقود الي رفع الحظر .
رابعًا: الخسائر المتراكمة للحظر الأوروبي
استمرار الحظر ألقى بظلال اقتصادية وتشغيلية كبيرة على قطاع الطيران المدني السوداني:
فقدان سوق يضم أكثر من 500 مليون مسافر.
عزوف شركات التأجير والتمويل عن التعامل مع الشركات السودانية.
تقليص فرص التعاون الدولي والاستثمار في القطاع
خامسا :هل من خارطة طريق للحل ؟
لكسر هذا الجمود واستعادة السودان الحق في الوصول للاسواق الأوروبية، يُقترح تبنّي الخطوات التالية:
1. استكمال إصلاحات السلامة
.تفعيل برنامج الدولة للسلامة SSP.
.فرض تطبيق أنظمة إدارة السلامة SMS على الشركات.
.زيادة تأهيل المفتشين الفنيين، ورفع قدرتهم على التفتيش و إجراء الرقابة المستمرة (CE7).
.مؤامة الاجراءات( Scaps) وادلةالتفتيش والفورمات وفقا للوائح الجديدة
.تطوير اليات معالجة قصور اوجه السلامة بناء علي تقارير المفتشين.( CE8. )
2. إجراءات دبلوماسية وفنية عملية
تقديم دعوة لبعثة مراجعة من EASA لإجراء تقييم ميداني
يتم فيها
.تحليل للوضع الراهن ويتم الاتفاق فيها علي مناطق التحسين والتطوير بانظمة السلامة المطلوبة
.تقديم التوصيات فيما يختص بمعالجة النواقص
.تقديم خطة بخارطة طريق من الجانب السوداني يتم الاتفاق عليها لاغلاق كافة النواقص باطار زمني وتحديد مسئولية كل جهة
.تحديد مدي زمني لبعثة تحقق من الجانب الاوروبي يتم التأكد فيها من بناء نظام مستدام وفعال لمراقبة السلامة وفقا للمعايير الاوربية
سادسًا: رفع الحظر وخطة إعادة إعمار الطيران المدني
بعد الدمار الواسع الذي طال البنية التحتيةلقطاع الطيران المدني بالسودان ، أصبحت إعادة الإعمار المؤسسي والفني ضرورة وجودية لقطاع الطيران. وفي هذا السياق، يجب أن يُدرج رفع الحظر الأوروبي ضمن الركائز الأساسية لخطة إعادة الإعمار، وذلك لـ:
.ربط خطة الاعمار بإعادة التشغيل التجاري الكامل والوصول الي الاسواق الأوروبية.
.تحفيز التمويل والاستثمار الخارجي، بما يشمل تحديث اساطيل الشركات وبنية المطارات.
.تعزيز الثقة الدولية في السودان كدولة آمنة للطيران المدني ومؤهلة للتكامل في منظومة النقل الجوي العالمية.
إن دمج ملف تطوير السلامة ورفع الحظر الاوربي في المشروع الوطني لإعادة إعمار قطاع الطيران يُشكّل خطوة استراتيجية لإعادة تموضع السودان في المشهد الدولي ليلحق بدول عديدة نجحت في رفع الحظر كليا او جزئيا مثل
الفلبين
موريتانيا
بنغلاديش
زامبيا
إندونيسيا وغيرها.
وان رفع الحظر عن شركات الطيران السودانية ليس مجرد احلام ، بل هي رؤية واقعية لانطلاقة جديدة بموجبها يتم استعادة ثقة المستثمرين والشركاء الدوليين وتشغيل رحلات مباشرة إلى أوروبا، ما ينعش الإيرادات ويزيد الربط الجوي وييسر استئجار الطائرات والحصول على تمويل بشروط تفضيلية ويسهم في تحفيز الاستثمار في البنية التحتية للمطارات والخدمات
ختاما الحظر الأوروبي ليس قرارًا أبديًا، بل إجراء فني مشروط تم لظروف محدده يمكن تجاوزها بإرادة قوية وإصلاح فني وإداري ومع تسجيل السودان تقدم كبير في برامج مراقبة السلامة للايكاو تجاوزت 73%، فإن فرص رفع الحظر أصبحت واقعيةوستكون ان شاء الله خطوة على طريق بناء منظومة طيران مدني حديثة ومتكاملة تربط السودان بالعالم بثقة وكفاءة.