
متابعات ــ النورس نيوز
في إحدى الليالي الحاسمة ما بين الشهر السابع والثامن من “حرب الكرامة”، شهدت منطقة بحري ثلاث عمليات عسكرية خاصة ومعقدة تم تنفيذها في وقت واحد وبسرية تامة، بهدف كسر الحصار عن القيادة العامة وإمدادها بالذخائر، إضافة إلى إجلاء شخصيات مهمة وجرحى. هذه العمليات، التي وصفت بـ”الأكثر خطورة”، نفذتها قوات من البحرية (الضفادع البشرية)، سلاح المهندسين، وقوة من الكدرو، تحت إشراف مباشر وتنسيق دقيق من القيادة العامة والاستخبارات العسكرية.
يرويها نقيب/ محمد عبدالرحمن هاشم القاضي
الموقع: بحري (الكدرو)– الي القيادة العامة
الزمان: ما بين الشهر السابع والثامن للحرب
👥 القوة: (١) ٣٦٧ مقاتلاً بقيادة المقدم “م.أ” الملقب بـ “شيخ العرب” من الكدرو
(٢)قوة من سلاح المهندسين
“لن نعود إلا منتصرين أو شهداء”: عملية الكدرو الجريئة
حين اشتد الحصار على القيادة العامة وانقطعت الإمدادات من جهة بحري، انطلقت قوة قوامها 367 مقاتلاً من الكدرو، بقيادة المقدم “م.أ” (الملقب بـ”شيخ العرب”)، في مهمة شبه مستحيلة لإيصال الذخائر سيرًا على الأقدام. المسار المختار كان يمر عبر سبعة طرق مشتعلة، مليئة بالعدو وملغمة بالمخاطر.
قبل الانطلاق، قال المقدم “م.أ” لمقاتليه بكلمات حفرت في الذاكرة: “ما راجعين… إلا القيادة… أو الجنة.”
في الفصل الأول من هذه العملية، اشتبكت القوة مع قافلة للعدو مكونة من 24 عربة، في معركة قصيرة ولكنها عنيفة أدت إلى تدمير 4 عربات والاستيلاء على 3 أخرى، مما أدى إلى فتح الطريق جزئياً.
في الجولة الثانية، حمل كل جندي ما بين 20 إلى 30 كيلوغراماً من الذخائر على ظهره، وزحفوا بين البيوت المهجورة والأنقاض. وعلى الرغم من إصابة عشرة مقاتلين واستشهاد أربعة، لم يصلوا إلى محيط القيادة. كان الهدف من هذه المرحلة هو جر العدو من منطقة بحري وأمدرمان وتجميعه في منطقة قتال محددة بعناية، لإتاحة الفرصة للقوى الأخرى. وقد نجحت هذه المناورة في استدراج قوات العدو.
إمداد القيادة وإجلاء الشخصيات: المهندسين والضفادع البشرية تنجح
بينما كانت قوة الكدرو تستدرج العدو وتُحدث فوضى في صفوفه، تحركت قوة أخرى من سلاح المهندسين في أمدرمان بنفس السرعة والقوة، ونجحت في إيصال الذخائر إلى القيادة العامة بسيارات مصفحة وقوة اقتحام، بعد أن أزالت مقاومة العدو الضعيفة.
في التوقيت نفسه، قامت قوة خاصة من البحرية (الضفادع البشرية) بعملية إجلاء جريئة عبر النيل العظيم. خاضت الضفادع البشرية اشتباكات على ضفتي النهر من وادي سيدنا الكلية الحربية إلى القيادة العامة، لتقوم بإخراج شخصية قيادية مهمة وعدد من الجرحى من داخل القيادة. هذه العملية نُفذت بنجاح كبير، رغم الظلام وصمت الليل الذي شقته الاشتباكات.
ختام العمليات: نجاح صامت وأثر لا يُمحى
لم تدخل قوة الكدرو نفسها القيادة العامة، لكن الذخيرة التي أرسلتها عبر وحدات سلاح المهندسين كانت كافية لتصمد القيادة لأيام إضافية، وغرست شعوراً بأن “الحصار ليس قدراً”.
حظيت هذه العمليات بإشادة رسمية من القيادة العامة، وسجلت في البلاغات الحربية كمثال على التضحية الصامتة والنجاح الكامل دون ضجيج.
تُعد هذه الليلة من أعقد ليالي الحرب التي شهدها السودان، بجهد مشترك وتنسيق دقيق من كافة غرف السيطرة، ومشاركة رفيعة المستوى من أعلى هرم القيادة في الجيش إلى أدناه.
الرجال الذين تحركوا في “درب السبع طرق” لم يكونوا يسيرون في الأرض فقط، بل في ضمير الوطن. ولم تطأ أقدامهم القيادة العامة، لكن أثرهم دخل كل غرفة فيها، وكل يد قاتلت بعدها حملت رصاصهم في قلب البندقية.
ويتوجه الشكر لسلاح المهندسين، والكدرو، والقيادة العامة، والاستخبارات العسكرية، وجنود النقل، ورجال الظلال، الذين “ثبتوا الخرطوم في أصعب أيامها”.
ويُختتم هذا السرد بالإعلان عن بدء قصص الشهداء، حيث ستُروى 20 قصة لشهداء غير معروفين، مؤكداً أن العمليات لا تنتهي وأن حكايات هذه الحرب كثيرة وكبيرة.