
عثمان ميرغني يكتب
لعله من محاسن الصدف أن يدشن الدكتور كامل ادريس ولايته رئيسا لوزراء جمهورية السودان مع بداية الشهر السادس في هذا العام 2025.. فيسهل معه قراءة خارطة الأيام –وليس الأسابيع والشهور- لحساب المسافة الفاصلة بين المتوقع والواقع.
وبعد أداء القسم السبت 31 مايو 2025، كان اللقاء الأول بمجلس السيادة.. خطوة لابد منها لتمهيد الطريق لانسجام بين مجلسي السيادة والوزراء.. الجناحان اللذان يفترض أن يحلقا بالسودان في هذه الظروف الحرجة.
ثم كانت بشارة الاطلالة الأولى في العلاقات الدولية بلقاء المبعوث السويسري.. أول الغيث قطرة في محيط العالم المتلاطم الأمواج.. رئيس الوزراء د. كامل ادريس ظل مقيما فترة طويلة في سويسرا بحكم عمله الدبلوماسي ثم في منظمة “الوايبو”.. فهو مدرك وخبير بهذ الملعب وبالتأكيد يترك انطباعا رائعا لدى الشركاء الأوروبيين الذين السودان في حاجة اليهم لدعم اندماجه في المجتمع الدولي وتخطي العزلة الخانقة التي يكابدها حاليا..
في العادة الرؤساء الذين يتولون المهمة – غالبا في الدول الغربية- يبتدرون برنامجهم بـ الـ 100 يوم الاولى.. تعطى مؤشرات قوية عن اتجاه الرياح و السياسات التي يعتمد الرئيس الجديد..
في حالة السودان الأمر أعقد كثيرا.. ولا يمنح ترف الانتظار المئوي.. من الحكمة ان ينظر رئيس الوزراء الجديد بمنتهى الحساسية للـ 10 أيام الأولى.. وقد يظن البعض أنها ممر ضيق لا يوفر حتى التعارف بمؤسسات وهياكل الدولة فضلا عن تشكيل الوزارة والبرنامج.
لكن الأمر الذي أقصده بعيدعن كل ذلك.. وتكفيه العشرة الأولى بل تزيد.. فالشعب المكلوم الموجوع يريد أن يعرف ويلمس و يثق أن هناك عقلية جديدة ومنهج حكم وادارة يبشر بطي صفحات الماضي الأليم واستشراف مستقبل مشرق.
بعبارة أخرى الخطاب العام الذي يوضح إلى أين تشير البوصلة.. ومؤشرات القادم من الشهور والسنوات.. و لا أقصد بالخطاب العام مجرد القاء كلمة موجهة للأمة السودانية تفيض بالبلاغة والحماسة و نبيذ الوعود المعتقة التي شرب منها الشعب السودني حتى الثمالة.. ثم لم يقبض سوى الريح.
الخطاب العام هو مجمل المفاهيم الأساسية والمنهج الذي يتبعه كامل ادريس في التعامل مع الأوضاع .. خليط من التواصل المباشر كفاحا مع قطاعات وفئات و مستشارين وأصحاب الرأي الراجح الحصيف.. و الخطاب المبثوث عبر وسائط الاعلام الذي يلامس قلوب و توقعات وطموحات كل السودانيين.. بل و جيران السودان الأقارب والأباعد والمجتمع الدولي بأسره..
في الـ10 أيام الأولى يجب أن يمتد جدول أعمال رئيس الوزراء إلى 100 ساعة في اليوم.. ليس بحضوره المباشر شخصيا فحسب، بل وبالمؤسسات والدوائر التي يبتدر بها مهامه لتمدد قدراته في العطاء المتوازي في شتى المسارات.
معيار نجاح كامل في الـ 10 الاولى.. ان يكون قادرا على قياس ردود الفعل لدى الشعب السوداني بأسره.. والقطاع السياسي خاصة.. ثم العالم الخارجي.. ولحسن الحظ كلها مؤشرات سهلة القياس و تدلل في وقت مبكر إلى أي اتجه تسير سفينة رئيس الوزراء الجديد..
المهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة.
توكلنا على الله..