اقتصاد

مشروع الجزيرة… الحقيقة الغائبة

مشروع الجزيرة… الحقيقة الغائبة

تقرير اخباري: ابونبراس

يعد مشروع الجزيرة، الواقع في وسط البلاد، أحد أعمدة الاقتصاد السوداني، ويعتبر من أكبر المشاريع الزراعية في العالم. لكن هذا العملاق الاقتصادي يواجه تحديات جمة، تفاقمت جراء الحرب والإهمال الإداري والمالي. في ظل هذه الأزمات، أثارت تصريحات أبو عاقلة كيكل، قائد قوات درع السودان، جدلاً واسعاً حول حقوق المزارعين ودور وزارة المالية في دعم المشروع. يستعرض هذا التقرير مطالب أهالي الجزيرة، وردود الأفعال، والحقائق القانونية والإدارية المرتبطة بالمشروع، في محاولة لكشف الحقيقة الغائبة.

مؤتمر تفاكري
أعلن أبو عاقلة كيكل، قائد قوات درع السودان، خلال كلمته في المؤتمر التفاكري لمناقشة قضايا الزراعة والري بمشروع الجزيرة في قرية إبراهيم عبد الله، عن مطالبه بحقوق ولاية الجزيرة كاملة من وزارة المالية. وأشار إلى إهمال الولاية ومشروع الجزيرة، الذي وصفه بعماد اقتصاد السودان، مؤكداً أن الوزارة لا تملك مبرراً لعدم دعم المشروع.

 

 

واتهم كيكل جهات، في إشارة ضمنية إلى الحركات الموقعة على اتفاق جوبا، بالابتزاز والاستيلاء على الأموال والامتيازات دون إسهامات ملموسة، مشدداً على أن أبناء الجزيرة قدموا تضحيات كبيرة في المعارك دون السعي لمناصب، وأن مطالبهم تقتصر على حقوقهم المشروعة.
ودعا المزارعين إلى تشكيل لجنة للدفاع عن حقوق المشروع، متعهداً برفع توصيات المؤتمر إلى المجلس السيادي للمصادقة عليها. وهدد بالتصعيد ضد وزير المالية في حال رفض تمويل المشروع، مؤكداً أن أهالي الجزيرة سيستردون حقوقهم بكل الوسائل.

جدل واسع
أثارت تصريحات قائد درع السودان ابو عقلة كيكل حول مشروع الجزيرة جدلاً واسعاً، وحول ذلك يقول خبير الاقتصاد السياسي د. عثمان الفاتح ان التصريحات كشفت عن عدم إلمام كامل بالوضع القانوني والإداري للمشروع الزراعي العريق.
وأوضح الفاتح لـ”النورس” أن مشروع الجزيرة لم يعد يدار من قبل الحكومة المركزية، بل أصبح المزارعون هم من يتخذون قرارات الزراعة وتسويق المحاصيل بشكل مستقل.
وأضاف رغم ذلك، يبقى مشروع الجزيرة في حاجة ماسة إلى دعم مركزي لإصلاح بنيته التحتية المتدهورة، بما يشمل تنظيف الترع، إصلاح القنوات الصغيرة، وتوفير السماد والمبيدات الحشرية. هذه الإصلاحات من شأنها تعزيز إنتاجية المشروع ودعم المزارعين.
مؤكداً أن قضية التمويل، وهي إحدى التحديات الرئيسية التي تواجه المزارعين، لا ترتبط بالحكومة المركزية، بل تقع ضمن اختصاص البنك الزراعي الذي يوفر القروض والتسهيلات المالية.
وأشاد بحماس كيكل لدعم أهالي الجزيرة، وتقديم الخير لهم وأضاف: يجب عليه التعرف عن قرب على طبيعة احتياجات اهل الجزيرة.

طريقة منظمة
وفي السياق ذاته يقول الخبير الاقتصادي محمد الناير إن
هناك تضارب في المعلومات المتداولة حول المشروع ويجب مناقشة مطالب مشروع الجزيرة وفق السياسات الكلية والجزئية للدولة، وقانون 2005 الذي يحدد أدوار الأطراف مع التركيز على أهمية القطاع الزراعي كمحرك رئيسي للاقتصاد السوداني، وأضاف المطالب ينبغي أن تُطرح بطريقة منظمة.
وأكد الناير لـ”النورس” أن مشروع الجزيرة، أحد أكبر المشاريع الزراعية في العالم بمساحة 2.2 مليون فدان، يواجه تحديات تتطلب معالجة منهجية وفق السياسات الوطنية.
وأوضح أن وزارة المالية تلعب دورا داعما من خلال توفير التمويل العام للقطاع الزراعي، بما يشمل التقاوي والأسمدة، بالإضافة إلى وضع السياسات النقدية بالتعاون مع بنك السودان المركزي، لكنها لا تتحمل المسؤولية الإدارية الكاملة عن المشروع.
ولفت الناير إلى أن قانون 2005 منح المزارعين حريات واسعة لزراعة محاصيل متنوعة، مع تحول دور الدولة إلى التنظيم بدلاً من الإدارة المباشرة.
ولمعالجة التحديات، اقترح الناير خارطة طريق تتضمن تعزيز التنسيق بين الحكومة والمزارعين، وتوفير بنية تحتية وموارد زراعية مستدامة.

ارتباط مالي
وفي غضون ذلك أوضح محافظ مشروع الجزيرة المهندس إبراهيم مصطفى، اللبس بشأن خطاب كيكل، مؤكدًا أن مشروع الجزيرة، وفقا للقوانين السارية لعام 2014، ليس له ارتباط مالي مباشر بوزارة المالية الاتحادية أو بنود مخصصة في الميزانية الاتحادية.
وأوضح المحافظ أن الوزارة، رغم ذلك، قدمت دعما متواصلاً للمشروع تقديرا للظروف الاستثنائية التي مر بها، خاصة خلال الحرب. وشمل هذا الدعم توطين زراعة التقاوي، تمويل بنود التنمية، تقديم إعفاءات جمركية، وتسهيل سير العمليات التشغيلية. كما تساهم الوزارة حاليا في تقييم الأضرار الناجمة عن الحرب لدعم إعادة إعمار المشروع.
وثمّن المهندس إبراهيم جهود وزير المالية ووكيل الوزارة وجميع العاملين بالوزارة لما يبدلونه من رعاية واهتمام بمشروع الجزيرة.
وأشار محافظ مشروع الجزيرة إلى أبرز أشكال الدعم الأخيرة، والتي تضمنت تزويد المشروع بأسطول جرارات حديثة تجاوزت قيمتها 7 مليارات جنيه، إضافة إلى دفع فروقات سعر القمح بقيمة تزيد عن 4 مليارات جنيه لمزارعي تقاوي القمح خلال العام قبل الماضي.
وأكد إبراهيم أن هذا الدعم يعد جزءا من سلسلة طويلة من المساهمات التي تقدمها وزارة المالية لضمان استمرارية المشروع وتعزيز دوره الحيوي في التنمية الزراعية والاقتصادية بالبلاد.

غير مباشر:
غير أن طارق أحمد، رئيس تجمع مزارعي الجزيرة، أكد أن قانون 2005 المعدل في 2014 أدى إلى رفع يد وزارة المالية عن التمويل المباشر لمشروع الجزيرة، بعد أن كانت الوزارة مسؤولة عن إدارة جميع جوانب المشروع.
وأوضح أن الوزارة تحولت إلى دور غير مباشر، يقتصر على ضمان تمويل البنك الزراعي ودعم القرارات الكبرى مثل زيادة رأس المال أو التدخل في القطاع الزراعي، مشدداً على أن الوزارة لا يمكن أن تكون بعيدة عن مشروع حيوي يشكل محوراً اقتصادياً للسودان.
وأشار طارق في تصريح لـ”النورس” إلى الأضرار الجسيمة التي لحقت بولاية الجزيرة جراء سيطرة قوات الدعم السريع، وقال إن تصريحات قائد درع السودان، أبو عاقلة كيكل، تعبر عن اشواق المزارعين و الأهالي الجزيرة مضيفا كان يمكن أن تكون فعلا داخل اروقة الدولة بدلا عن التصريح.
وطالب رئيس تجمع مزارعي الجزيرة بإعادة المشروع تحت إشراف مجلس السيادة لضمان قرارات سيادية تعالج الأزمات، وتشكيل مجلس تنظيم رسمي يمثل المزارعين، لحماية حقوقهم، مع ضرورة قيام الدولة بدورها في توفير الاحتياجات الأساسية للمزارعين الذين فقدوا مواردهم بسبب الحرب.
ودعا طارق إلى فك الارتباط حول المعلومات المتضاربة بشأن إدارة المشروع، مؤكداً أن استعادة دوره الاقتصادي تتطلب شفافية ودعماً مالياً عاجلاً لإعادة الإعمار.

تحمل مسؤولية
ومن جهته يرى الخبير الاقتصادي مزمل الضي: ان وزارة المالية تتحمل مسؤولية غير مباشرة عن مشروع الجزيرة من خلال توفير مدخلات الإنتاج والآلات الزراعية، وتحديث الجهاز الإداري للمشروع، وتطبيق برنامج حوكمة لتعزيز الشفافية تحت رؤية مؤسسية. كما تشمل مسؤولياتها تشجيع البنوك والمستثمرين لتمويل المزارعين لزيادة الإنتاجية، وإعادة تأهيل البنية التحتية مع توفير بدائل، وإعفاء المزارعين من الضرائب، ووضع خطة استراتيجية لخمس سنوات.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

زر الذهاب إلى الأعلى