
العروة الصيفية.. أولى خطوات المسار الصحيح
تقرير اخباري: ابونبراس
تشهد البلاد في الآونة الأخيرة توجها متجددا نحو تعزيز القطاع الزراعي كركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، مع إنطلاق العروة الصيفية كخطوة محورية لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات، يأتي هذا التوجه في ظل تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، بما في ذلك تداعيات الحرب ومحدودية الموارد.
وبحسب خبراء ومزارعين أن العروة الصيفية ليست مجرد موسم زراعي، بل هي رمز للأمل في إعادة بناء اقتصاد وطني قائم على الإنتاج المحلي من خلال الاستفادة من دروس الماضي، ومواجهة تحديات الحرب، مؤكدين ان فتح آفاق للاستثمار والخبرات الأجنبية، يمكن لهذه الخطوة أن تكون بداية مسار صحيح نحو الاكتفاء الذاتي والاستقرار الاقتصادي.
تدمير ونهب:
بعد نزوحه من ود مدني بسبب الحرب، عاد أحمد إلى أرضه في الجزيرة بعد تحريرها، وجد حقله مدمرًا، مع نهب بذوره وتضرر قنوات الري.
وقال احمد لـ”النورس” انه بعد محاولات كثيرة وصعبة حصل على بذور، وبدأ بجهود شاقة تنظيف الأرض وإصلاح قنوات الري بإمكانيات متواضعة. رغم مخاوفه من الألغام وارتفاع تكاليف الوقود والأسمدة، أصر أحمد على العودة للزراعة، معتبرا إياها مصدر دخله الأول وكذلك من أجل المساهمة في تطوير اقتصاد البلاد الذي دمرته الحرب.
وبعد تحرير الجيش السوداني لمدينة ود مدني والولاية الجزيرة في يناير 2025، عاد النازحين إلى قراهم ومشاريعهم الزراعية، وتشير تقارير إلى أن المزارعين في مشروع الجزيرة بدأوا محاولات متواضعة لاستئناف الزراعة، خاصة ري العروة الصيفية، رغم التحديات الكبيرة.
فرصة واعدة:
ويشير خبير الاقتصاد الزراعي د. مزمل الضي إلى أن التجارب الزراعية السابقة في السودان، مثل مشروع الجزيرة، واجهت الفشل بسبب غياب التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، وضعف الإدارة، وتهميش دور المزارعين.
وأكد الضي لـ”النورس” أن نجاح القطاع الزراعي يتطلب تنويع المحاصيل، وإشراك المجتمعات المحلية في عمليات التخطيط، والاستثمار في تحسين البنية التحتية.
واعتبر الخبير الاقتصادي العروة الصيفية فرصة واعدة لإنعاش الزراعة، حيث تعتمد على مياه الأمطار وتشمل محاصيل استراتيجية مثل الذرة، السمسم، والفول السوداني. كما أنها يمكن أن تسهم في تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الاقتصاد الزراعي إذا تم استغلالها بفعالية.
ويعتقد الخبير الاقتصادي ان التركيز السابق على النفط كمصدر رئيسي للعملة الصعبة أدى إلى إهمال القطاع الزراعي، مما قلل من الاستثمارات فيه. وبعد انفصال جنوب السودان وتراجع إيرادات النفط، تفاقمت هشاشة الاقتصاد السوداني، ما قاد إلى ارتفاع البطالة، زيادة الاعتماد على الاستيراد، وتدهور الميزان التجاري.
وحول تأثير الحرب على الزراعة يقول الضي انها تسببت في تعطيل القطاع الزراعي من خلال تهجير المزارعين، تدمير البنية التحتية مثل قنوات الري والمخازن، وصعوبة الوصول إلى الأسواق، وانتشار الألغام في الأراضي الزراعية. هذه العوامل أدت إلى تراجع الإنتاج الزراعي وزيادة معدلات الفقر في المناطق الريفية.
تمويل ميسر:
واقترح الخبير الاقتصادي أن يوفر البنك الزراعي السوداني تمويلًا موسميًا ميسرًا للمزارعين، مع ربط السداد بموسم الحصاد. كما يمكن للشراكات مع البنوك التركية تمويل مشاريع التصنيع الزراعي، خاصة في محاصيل مثل القطن والقمح.
وشدد الضي على أهمية توفير ضمانات حكومية وصناديق تأمين لتغطية المخاطر مثل الجفاف والنزاعات، وكذلك من الحلول المقترحة استخدام تقنيات الزراعة الدقيقة لتحسين كفاءة استخدام الموارد، واعتماد آلات حصاد حديثة لتقليل الفاقد، تطوير بذور هجينة مقاومة للجفاف، وتطبيق نظم إنذار مبكر للتنبؤ بالآفات والتغيرات المناخية. كما يمكن للتطبيقات الرقمية تسهيل إرشاد المزارعين وتحسين وصولهم إلى الأسواق.
رأى د. الضي أن الإنفاق المكثف على الحرب استنزف الميزانية العامة، مما قلص الدعم للمدخلات الزراعية، وأضعف الاستثمار في البحث الزراعي والتدريب. كما أعاق ذلك تطوير مشاريع الري والتخزين الكبرى، ولمعالجة التحديات، طالب بتحويل جزء من الإنفاق العسكري إلى التنمية الزراعية، وتشجيع الاستثمار المحلي والدولي، ودعم التعاونيات الزراعية، وإعادة إعمار مناطق الإنتاج الزراعي.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن هذه الخطوات يمكن أن تعيد إحياء القطاع الزراعي وتدعم استقرار الاقتصاد السوداني.
اقتصاد وطني:
ومن جهته قال الخبير الاقتصادي د. الفاتح عثمان في إفادة لـ”النورس” ان العروة الصيفية ليست مجرد موسم زراعي، بل هي رمز للأمل في إعادة بناء اقتصاد وطني قائم على الإنتاج المحلي، يمكنها أن تكون بداية مسار صحيح نحو الاكتفاء الذاتي والاستقرار الاقتصادي. لكن النجاح يتطلب تضافر جهود الحكومة، المزارعين، والمجتمع الدولي.
وأضاف عثمان “يُعد القطاع الزراعي والحيواني الركيزة الأساسية للاقتصاد السوداني، حيث يوفر فرص عمل لنحو 60% من السكان” . منوها إلى أن إصلاح هذا القطاع يسهم بشكل مباشر في مكافحة الفقر ورفع مستوى المعيشة للمواطنين.
وأشار إلى أن زيادة الإنتاج الزراعي والرعوي عملية ميسرة ومنخفضة التكلفة، مع عائد سريع، مما يجعل تمويل هذا القطاع جاذباً للمؤسسات الدولية والإقليمية، مؤكداً أن الإقبال على الزراعة سيكون كبيراً بين المواطنين الذين فقدوا ممتلكاتهم، شريطة توفير التمويل وإقامة شراكات تعاقدية تضمن تسويق المنتجات بكفاءة.
وحدد د. عثمان احتياجات السودان العاجلة لتطوير القطاع الزراعي، بعدد من المطلوبات أبرزها التمويل والبذور المحسنة بجانب الأسمدة والمبيدات، علاوة على الإرشاد الزراعي الميداني في كل ولاية وقرية.
وربط الخبير الاقتصادي نجاح الموسم الزراعي الصيفي في ولايات الجزيرة، سنار، والقضارف بتوفير الحكومة هذه المتطلبات قبل بدء الموسم.
خسائر جسيمة:
وقد أعلنت وزارة الزراعة والغابات عن خسائر القطاع الزراعي خلال عامي الحرب التي اندلعت منذ منتصف أبريل 2023، بلغت أكثر من 10 مليارات دولار.
وقالت الوزارة، في تقرير، إن القطاع الزراعي بالسودان تعرض لخسائر جسيمة بسبب الحرب فقد تم تدمير ونهب الأصول الرأسمالية من معدات ميكانيكية وحركية وتخريب كل محطات البحوث الزراعية.
وكشفت وزارة الزراعة، في التقرير بحسب قناة الجزيرة، عن تعرض وحدة الموارد الوراثية التابعة لهيئة البحوث بمدني وبنك الجينات الرئيسي الذي يضم أكثر من 17 ألف مورد وراثي ومعامل بحثية للتدمير، بجانب تدمير في القطاع الغابي والبستاني والبنيات التحتية من مخازن وصوامع ومصانع.
ووفقًا للتقرير فُقدت كل الآلات الزراعية بالنهب إلى دول الجوار وتعرض المنتجين في مناطق الحرب لفقد محصولاتهم ومعداتهم الزراعية مما زاد من نسبة الفقر في المناطق الزراعية التي تم استهدافها خاصة، وأن أغلب السكان في هذه المناطق يعملون في الزراعة والرعي، وأن كثيرا منهم لم يتمكنوا من حصاد محصولهم. وأكد التقرير أن القطاع الزراعي فقد نتيجة لذلك مقدراته الأساسية للقيام بدوره المعهود في الاقتصاد السوداني وقدرت خسائر القطاع بأكثر من 10 مليارات دولار.