أخبار

جنوب دارفور وحكومة التأسيس

متابعات _ النورس نيوز

جنوب دارفور وحكومة التأسيس

متابعات _ النورس نيوز _ في خطوة اعتُبرت من قبل مراقبين تصعيداً سياسياً جديداً في مشهد الحرب السودانية، أعلن رئيس الإدارة المدنية التابعة لقوات الدعم السريع في جنوب دارفور، يوسف إدريس، عن جاهزية الولاية لاستضافة ما وصفه بـ”حكومة تأسيس”، وذلك عقب إعلان تعيين قائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي”، رئيساً لتلك الحكومة، إلى جانب تنصيب عبدالعزيز الحلو، قائد الحركة الشعبية – شمال، نائباً له.

ويأتي هذا الإعلان عقب مؤتمر صحفي عُقد بمدينة نيالا، التي تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع منذ أشهر، وأكد خلاله المتحدث الرسمي باسم ما يُعرف بـ”تحالف السودان التأسيسي”، علاء الدين عوض نقد، أن الخطوة جاءت بعد “مشاورات موسعة اتسمت بالشفافية والجدية”، بحسب تعبيره، مشيراً إلى أنه تم التوافق على تشكيل هيئة قيادية جديدة مكونة من 31 عضواً، تتولى قيادة المرحلة المقبلة من مشروع التحول السياسي المطروح من قبل التحالف.

وكانت مدينة نيالا، ثاني أكبر مدن السودان، قد شهدت خلال الأيام الماضية تحركات لافتة وتحضيرات سياسية واسعة، توجت بإطلاق ما وصفه القائمون عليه بأنه “اللبنة الأولى لتأسيس دولة مدنية جديدة”، في ظل الانهيار المتسارع لمؤسسات الدولة الرسمية، واستمرار الحرب الطاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023.

ويعد تعيين حميدتي رئيساً لحكومة تأسيسية تطوراً سياسياً بالغ الحساسية، خصوصاً مع مشاركة عبدالعزيز الحلو، الذي كان لسنوات في خلاف علني مع قيادة الدعم السريع، ما يشير إلى تقارب مفاجئ وغير متوقع بين أبرز قوتين مسلحتين خارج المنظومة الرسمية للدولة السودانية. ويخشى مراقبون أن تؤدي هذه الخطوة إلى مزيد من التعقيد في مسار الصراع، وتعمّق الانقسام الجغرافي والمؤسسي في البلاد.

من جهته، أوضح يوسف إدريس أن جنوب دارفور تمت تهيئتها بالكامل لاستقبال هذه الحكومة الجديدة، مشيراً إلى أن “الأمن والخدمات والمعابر باتت تحت السيطرة”، وأن الحكومة المدنية الوليدة ستباشر أعمالها من نيالا، في حال تم التوافق النهائي على إعلانها رسمياً.

وفي السياق ذاته، تتباين ردود الأفعال داخل الأوساط السياسية والمجتمعية السودانية بشأن ما يجري، حيث يرى بعض المراقبين أن تشكيل حكومة تأسيسية في مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع يعد بمثابة تحدٍ مباشر للسلطة المركزية المتمثلة في الجيش، الذي لا يزال يسيطر على العاصمة بورتسودان ويحتفظ بشرعية دولية، فيما يعتبره آخرون محاولة من الدعم السريع وحلفائه لإيجاد واقع سياسي موازٍ، بعد فشل المسارات التفاوضية وتفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد.

ويشير مراقبون إلى أن انخراط عبدالعزيز الحلو في هذا التحالف قد يكون جزءاً من ترتيبات أوسع لإعادة صياغة الخارطة السياسية والعسكرية في السودان، خاصة في ظل الغموض الذي يكتنف مستقبل العملية السياسية برمتها، وتعثر المبادرات الإقليمية والدولية التي تسعى لوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سلمية شاملة.

ويُذكر أن الحلو كان قد تمسك في جولات التفاوض السابقة بمطالب تتعلق بفصل الدين عن الدولة وقيام دولة علمانية، وهي مطالب يعتقد أنها قد تكون محلاً للتفاوض مجدداً ضمن مشروع “الحكومة التأسيسية” الذي جرى طرحه في نيالا. أما حميدتي، فيسعى بحسب تصريحات سابقة له، إلى تأسيس “نظام مدني ديمقراطي جديد”، وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة حول مدى التقارب الفكري والسياسي بين الطرفين.

ورغم الغموض الذي يكتنف ملامح هذه الحكومة المعلنة، إلا أن المشهد العام يشير إلى تحول خطير في طبيعة الصراع السوداني، من صراع عسكري إلى تنازع سياسي على الشرعية والتمثيل، في ظل غياب مؤسسات دولة فعالة، وتفكك المنظومة الإدارية، واستمرار معاناة ملايين السودانيين في النزوح والفقر وانعدام الأمن.

ويبدو أن المرحلة المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت، في ظل سعي كل طرف لترسيخ نفوذه، مستفيداً من الفراغ المؤسسي، والدعم الإقليمي غير المعلن، والانقسامات التي باتت تعصف بمؤسسات الدولة والمعارضة على حد سواء. ومع تعاظم هذا المشهد المعقد، تبقى الأسئلة معلقة بشأن ما إذا كان إعلان “الحكومة التأسيسية” في نيالا مقدمة لتقسيم فعلي للبلاد، أم مجرد ورقة ضغط جديدة في ميدان السياسة السودانية المتقلب.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى