
تهريب بالمليارات.. القضاء يحسم واحدة من أخطر قضايا المعادن في السودان
الخرطوم – متابعات _ النورس نيوز
في خطوة اعتبرها مراقبون تأكيدًا على توجه السلطات لتشديد الرقابة على ثروات البلاد ومكافحة ظاهرة التهريب، أصدرت محكمة الجرائم والنزاعات الاقتصادية بالخرطوم حكمًا بالسجن والغرامة ومصادرة كمية كبيرة من النحاس المهرب لصالح الدولة، بعد إدانة أحد المتهمين بممارسة أنشطة تعدينية دون ترخيص رسمي.
وأفادت مصادر قضائية أن المحكمة، برئاسة القاضي مولانا النيل علي عمر أحمد، قضت بتوقيع غرامة مالية قدرها مليون جنيه سوداني على المدان، إلى جانب الحبس لمدة ستة أشهر، إضافة إلى مصادرة شحنة النحاس المضبوطة والبالغة أكثر من 13 طنًا (13,020 كيلوغرامًا) لصالح حكومة السودان.
تهريب منظم واستغلال للثروات
ووفقًا لمنطوق الحكم، فقد ثبت للمحكمة أن المدان، والذي تم التحفظ على اسمه واكتفي بالإشارة إليه بالأحرف (ط.ع.أ.ع)، ارتكب مخالفات واضحة لنصوص المادتين (32/أ) و(32/هـ) من قانون تنمية الثروة المعدنية والتعدين لسنة 2015 المعدّل في 2029، اللتين تنصان على تجريم مزاولة الأنشطة المعدنية والتعدينية دون الحصول على التصاريح القانونية اللازمة.
وأشارت التحقيقات إلى أن المتهم كان بصدد تهريب النحاس المستخلص من مناطق تعدين تقليدية، دون المرور عبر القنوات الرسمية، في محاولة لتحقيق أرباح غير مشروعة على حساب الاقتصاد الوطني، الذي يواجه تحديات كبيرة نتيجة فقدان الموارد وتفشي عمليات التهريب.
إجراءات قانونية صارمة
وأفادت المحكمة أن جلسات المحاكمة شهدت حضور محامي الدفاع وتمثيل النيابة الاقتصادية بكامل طاقمها، فيما خضعت الأدلة المقدمة للفحص الفني الدقيق قبل أن تُصدر المحكمة حكمها، الذي وصف بأنه رسالة واضحة لكل من تسول له نفسه العبث بالثروات القومية.
وفي تعليق قانوني، أوضح أحد المحامين المتخصصين في قضايا التعدين، أن الحكم يعكس اتجاه الدولة لتفعيل مواد القانون الخاصة بضبط الإنتاج التعديني، والحد من أنشطة السوق السوداء التي ألحقت ضررًا بالغًا باقتصاد البلاد.
دعوات لتشديد الرقابة وزيادة الشفافية
وطالب خبراء اقتصاديون بضرورة تعزيز جهود الرقابة على مواقع الإنتاج والشحن، بالإضافة إلى دعم آليات التتبع الإلكتروني، وتكثيف الحملات التفتيشية من قبل الأجهزة النظامية والسلطات الولائية في مناطق التعدين المعروفة.
كما دعا نشطاء في المجتمع المدني إلى توسيع دائرة التحقيق لتشمل الشبكات التي تقف خلف تهريب المعادن من السودان إلى الخارج، وسط تقارير تفيد بوجود قنوات غير رسمية تستغل الانفلات الأمني في بعض المناطق لنهب الموارد وتهريبها بطرق منظمة.
المعادن.. ثروة وطنية تواجه التحديات
ويُعد قطاع المعادن من أهم مصادر الدخل الوطني في السودان، لا سيما الذهب والنحاس والكروم، لكن ضعف البنية التشريعية في بعض الفترات، بالإضافة إلى التداخل بين السلطات الأمنية والاقتصادية، أسهم في تنامي ظاهرة التهريب التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة.
يُذكر أن هذا الحكم يُعد من بين أبرز الأحكام القضائية الصادرة مؤخرًا في مجال الجرائم الاقتصادية، ويُتوقع أن يكون له تأثير ملموس على مستوى التزام المستثمرين والمعدنين بالقوانين المنظمة، بما يسهم في حماية الموارد الطبيعية وتعزيز الشفافية في إدارة الثروات المعدنية.