أخبار

سودانيون يروون قصص النجاة من الجحيم الإيراني

متابعات _ النورس نيوز

سودانيون يروون قصص النجاة من الجحيم الإيراني

متابعات _ النورس نيوز _ بينما تشتد المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل، لم يكن يدور في خلد الطالب السوداني سليم محمود، الذي لجأ قبل سنوات إلى مدينة أصفهان للدراسة، أن يجد نفسه محاصرًا مجددًا بنيران الحرب، ولكن هذه المرة في منفاه الاختياري. واقع قاسٍ يعيشه مئات السودانيين المقيمين في إيران، بعدما تداخلت أهوال الحرب السودانية، التي شردتهم من ديارهم، مع تداعيات نزاع إقليمي دموي على أرض جديدة استقبلتهم يوماً كطلبة أو باحثين عن فرصة للعيش الكريم.

 

سليم، وهو اسم مستعار لطالب يدرس الهندسة الميكانيكية، تحدث لوسائل الإعلام عن لحظة تحوّل فيها ليل مدينة أصفهان الهادئ إلى كابوس مسيرات وانفجارات. الهجوم الإسرائيلي الأول لم يكن كافياً لإثارة الذعر في نفسه، لكن تتابع الضربات وتصاعدها جعله يعيد تقييم كل شيء، بما في ذلك بقاءه في إيران. ويقول: “أحمل همين، وطني الذي دمرته الحرب، وإيران التي احتضنتني، لكنها الآن ساحة قتال جديدة”. لا يخفي سليم رغبته في مغادرة إيران نحو ماليزيا، حيث يأمل أن يجد بقعة أكثر هدوءًا لاستكمال دراسته، مستبعدًا في الوقت ذاته خيار العودة إلى السودان الذي لا يزال مشتعلاً بالصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

 

 

هذه المأساة تتكرر بأشكال مختلفة في قصص العشرات من السودانيين الذين يعيشون في مدن إيرانية متفرقة. السفارة السودانية في طهران أعلنت عن بدء ترتيبات إجلاء طوعية للراغبين من أفراد الجالية، ووفقًا للسفير السوداني عبد العزيز صالح، فإن الدفعة الأولى تضم 25 شخصًا، بينما يُقدر العدد الفعلي للسودانيين في إيران بالمئات، وربما أكثر من ذلك بكثير، بحسب ما أفاد به باحثون.

 

 

مدينة أصفهان تعرضت منذ 13 يونيو الجاري لسلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية استهدفت منشآت عسكرية ونووية من بينها مواقع لتحويل اليورانيوم ومنصات إطلاق صواريخ. ورغم شدة الضربات، لم تصدر السلطات الإيرانية أي توجيهات بالإخلاء الجماعي، إلا أن الواقع أفرز حركة نزوح داخلية، خاصة من المناطق المحاذية للمنشآت المستهدفة نحو مدن مثل كاشان ويزد التي توصف بالأكثر أمانًا.

 

وعلى عكس أصفهان، شهدت العاصمة طهران هدوءًا نسبيًا، ما دفع البعض من السودانيين للبقاء فيها. علي نور، وهو سوداني مقيم بطهران، تحدث عن “مبالغة في التهويل” بخصوص الوضع الأمني، وأكد أنه لا يخطط لمغادرة البلاد في الوقت الراهن. لكنه يعترف في الوقت ذاته بأن المشهد ضبابي، وأن بقاءه مرهون بتطورات الموقف العسكري. ويضيف: “نحن جالية صغيرة ومتناثرة في مدن مختلفة، من الصعب اتخاذ قرار جماعي، كلٌ يحاول النجاة بطريقته”.

 

أما أنور عبده، السوداني الذي يعمل في مجال الترجمة بطهران، فيروي مشاهد مؤلمة عايشها بنفسه خلال الأيام الأولى للهجوم، خاصة في حي نارمك شرقي العاصمة، حيث دوّت صفارات الإنذار وتوالت الانفجارات. بعد يومين من التصعيد، اضطر إلى الانتقال مؤقتًا إلى مدينة كرج، مستفيدًا من علاقته بعائلة إيرانية احتضنته وساعدته على تأمين سكن آمن بعيدًا عن المنشآت الحساسة. يقول: “نعيش توترًا يوميًا، ننام على احتمالات الهروب، ونستيقظ على أخبار قصف جديد أو صاروخ اعتراضي”.

 

هذه الوقائع ليست سوى نماذج من معاناة السودانيين في إيران، الذين وجدوا أنفسهم “بين حربين”، كما يقول البعض. فإيران التي كانت ذات يوم وجهة دراسية ومنفى آمن، باتت اليوم ساحة خطر، بينما لا يزال السودان غارقًا في مستنقع دموي تتنازعه أطراف الحرب بلا أفق واضح للحل.

 

بحسب تقديرات إعلامية، يقيم في إيران نحو ألف سوداني، غالبيتهم من الطلاب في جامعة المصطفى العالمية بمدينة قم، التي تُعد من أبرز مراكز التعليم الديني الشيعي. ويشكل هؤلاء الطلاب جزءًا من إرث التبادل الأكاديمي والديني بين السودان وإيران، الذي تعزز في تسعينيات القرن الماضي خلال حكم الرئيس السابق عمر البشير. في تلك الفترة، أقامت طهران مركزًا ثقافيًا نشطًا في الخرطوم، وفتحت أبواب جامعاتها أمام الطلاب السودانيين الراغبين في دراسة العلوم الشرعية والدينية.

 

 

لكن هذا التقارب السياسي انهار عام 2016 حين قطع السودان علاقاته الدبلوماسية مع إيران عقب اقتحام السفارة السعودية في طهران، في خطوة أعادت رسم خارطة التحالفات السودانية باتجاه المعسكر الخليجي. ورغم إغلاق المراكز الإيرانية وتراجع التبادل، بقيت مجموعة من السودانيين في إيران، إما لاستكمال دراستهم أو لأسباب عقدية ومذهبية.

 

 

ومع عودة التوتر الإقليمي وتصاعد الحديث عن استخدام طائرات مسيرة في النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، طفت تقارير إعلامية تشير إلى دعم إيراني محتمل للجيش السوداني في صورة طائرات بدون طيار. الجيش نفى ذلك رسميًا، لكن تقارير غربية ذكرت أن هذا الدعم أسهم في قلب موازين المعارك لصالح القوات النظامية في بعض المحاور.

 

وفي خضم هذا التعقيد السياسي والعسكري، لا يزال السودانيون في إيران يبحثون عن طوق نجاة، سواء عبر الرحيل نحو دول أكثر استقرارًا أو بمحاولة التأقلم مع واقع متغير يوميًا. ومع غياب مؤشرات التهدئة في كل من طهران والخرطوم، تبدو خياراتهم محدودة، ومآلاتهم معلقة على خيوط حرب لا تخصهم مباشرة، لكنها تعصف بمستقبلهم على أكثر من جبهة.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى