الفساد بدهاليز الجهاز التنفيذي.. تصريحات البرهان وعقار… خبايا وأسرار من على خط النار

الخرطوم :النورس نيوز
خلفت التصريحات التي أطلقها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه مالك عقار موجة من الانتقادات الواسعة من قبل الكثيرين لاسيما وأنها لامست العصب الحي بأجهزة الدولة والذي يتمثل في الفساد والمحسوبية وانتشارهما بكثافة داخل دهاليز وأجهزة الدولة، وتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي التصريحات باهتمام بالغ خاصة وأنها عبرت عن ما كان يرغب بأن يتحدث عنه المواطنين طوال سنوات عندما كان يطلق على الفاسدين “بالقطط السمان” في العهد البائد وكما أعادت إلى الأذهان تجارب الأنظمة في محاربة الفساد ، وتتزامن التصريحات مع محاولات القوات المسلحة من أجل تحرير البلاد من التمرد رغم محاولات المليشيا التوغل في مناطق غرب كردفان وإستخدام المسيرات لاستهداف المنشآت الحيوية.
انتقادات حادة
وكان قد وجه رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان مؤخراً انتقادا حادا لظاهرة المحسوبية التي تسيطر على التعيينات في مؤسسات الدولة.
وأكد البرهان خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الخدمة المدنية في بورتسودان، أن هذه الظاهرة أدت إلى وجود اختلالات كبيرة في أداء المؤسسات، حيث يتم توظيف الأفراد بناءً على العلاقات الشخصية بدلاً من الكفاءة، داعيا إلى ضرورة مراجعة القوانين المتعلقة بالخدمة المدنية وإلغاء التعيينات التي تمت بناءً على والمحاباة.
أشار رئيس مجلس السيادة إلى أن هناك وزراء في الحكومة يعتقدون أن وزاراتهم ملك لهم، مما دفعهم لتعيين أقاربهم ومعارفهم في مناصب حكومية، وهو ما اعتبره واقعاً مؤلماً يجب مواجهته، مشددا على أهمية مراجعة جميع الوظائف الحكومية.
ونوه البرهان إلى أن هناك حاجة ملحة لوضع قانون جديد يضمن عدم دخول أي شخص إلى الوظائف العامة بطرق غير مشروعة، مما يضمن تكافؤ الفرص للجميع.
ولم يمضي وقت طويل حتي كان قد قال نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار إن ”ولد” موظفا لم يسمه جاء وعمل في الحكومة ببورتسودان خلال شهر يونيو وحاز على شقق في القاهرة وتركيا وقطع اراضي في البحر الأحمر، وأضاف عقار في حديث له أمام الجلسة الختامية لمؤتمر الخدمة المدنية ”ده الولد البيشوف نفسو كويس وبيشوف الرئيس كويس” على حد تعبيره.
وتابع نائب رئيس مجلس السيادة متحدثا عن الفساد في اجهزة الدولة ”نحن شايفين والوزراء شايفين لكن الولد ده ما بينقلوهو ولا بيشيلوهو”.
مزايدة سياسية
وفي موازة ذلك قوبلت التصريحات بحالة من الاستياء لدى البعض باعتبار أن البرهان وعقار يمثلان رأس الدولة لذلك كان يجب عليهم ان يشرعوا في محاربة الفساد فوراً قبل إضرام النيران في أجهزة الإعلام عبر التصريحات.
وحذر مراقبون من أن يكون الخطوة تداعياتها خاصة وأن مليشيا الدعم السريع يمكن أن تعمل على استغلالها للمزايدة السياسية وتشويه صورة الحكومة الحالية، مطالبين باتخاذ كافة التدابير للحد من انتشار الفساد والتصدي له بشتي الوسائل القانونية الرادعة حتي يتراجع كل من تسول له نفسه بأن يقوم بالفساد مع إمكانية تفعيل إليات رقابة صارمة تحول دون تفشيه داخل أجهزة الدولة.
مؤتمر خاص
بينما هنالك من يرى بأن الفساد السياسي والإداري يظل متجذراً في البلاد منذ سنوات ليست بالقليلة وان من الصعب إجتثاثه بين ليلة وضحاها وأن الخطوة بحاجة لوقفة صلبة من الحكومة.
وهذا ما أشار إليه الخبير الاقتصادي البروفيسير إبراهيم اونور في معرض حديثه ل(النورس نيوز)، وأكد أن محاربة الفساد تحتاج جدية كبيرة من قبل المسؤولين وعمل مفوضية مستقلة بكل إمكانياتها حتى تستطيع أن تقوم بدورها الكامل مع إستصحاب تخصصات مختلفة من قانونيين واقتصاديين وغيرها من التخصصات الفاعلة.
وجدد الخبير الاقتصادي تأكيده بأن محاربة الفساد تحتاج لجدية وإرادة من الدولة لكنه عاد وشكك في ذلك الأمر خاصة في مثل هكذا توقيت، وذكر أنه كان يتوقع أن يكون الفساد خلال فترة الحرب بنسبة أقل لكن نتيجة لغياب الجهات التنفيذية والرقابية هو الذي فتح الباب على مصراعيه لتفشي الفساد، مشيراً إلى أن الفساد يكلف خزينة الدولة ثمانية عشر مليار دولار سنويا.
وأضاف أونور أن البعض يستغل الفساد لتحقيق مكاسبه الشخصية أو لتحقيق منافع لشخصيات سياسية، وأعتبر أن محاربة الفساد تتطلب بأن تكون الدولة أكثر حزماً وجدية لأن تتصدى الفساد للمفسدين.
ودعا الخبير الاقتصادي لقيام مؤتمر خاص يتحدث فيه الخبراء عن محاربة الفساد وآلياته ووضع رؤى ومسودات من شأنها أن تساهم في إيجاد حل.
اعتراف خطير
وبالمقابل وصف الخبير العسكري محمد بشير سليمان تصريحات البرهان و مالك عقار بالخطيرة والمحزنة لاسيما وأن الذي نطق به كل من رئيس مجلس السيادة ونائبه كأخطر حديث اعتراف يقوله المسئولان الرئيسيان اللذين يديران الدولة على المستوى المركزي ، ولاشك انه يعني ببساطة أن رئيس مجلس السيادة ونائبه يمثلان قمة الفشل ، لأنهما يعتبران رأس الرمح في هذا بناء الدولة السوية والراشدة من خلال حسن القيادة والإدارة ضبطاً بالقانون والمراقبة والمحاسبة والشفافية لكل أجهزة الدولة والعاملين فيها وبما يحاصر ويمنع كل أنواع الفساد.
وتسائل سليمان في حديثه ل(النورس نيوز) في أي إطار ولمن يتم توجيه حديثهما عن الفساد سواء كان مالياً أو إدارياً ، أو إذا كان هنالك محسوبية ، وهما المسئولان الرئيسيان عن كافة شئون الدولة ثم لمن ينسب تصنيف السودان كدولة فاشلة.
ورأى الخبير العسكري إن إدارة الدولة بعشوائية هو الذي اوصلها لأن تكون فاشلة عبر سوء الفساد بكافة أنواعه مع التركيز على عاملي الفساد المالي والإداري ، وهو ما يعني فشل السلطة الحاكمة في إدارة الدولة.
وأنتقد سليمان تصريحات البرهان وعقار قائلاً :”يتطلب بدءاً وبذات الشفافية أن يقدم رئيس مجلس السيادة ونائبه استقالتيهما فوراً من الحكم وان يخضعا للمحاكمة القانونية ، كما جرى لكثير من رؤساء الدول ، ونموذجي محاكمة رئيس البرازيل ورئيس الفلبين يعطيان الدليل على ذلك”.
وشدد الخبير العسكري على ضرورة تجاوز حالة الاعتراف بسبب أنه لا يقبل عقلاً أن يقود رئيس دولة ونائبه دولتهما للفشل من بين دول العالم بما يؤثر على منهجية تعامل الدول الاخرى مع دولة فاشلة ، وهو ما قد يؤثر على مستوى ومنهج العلاقات والتنمية التي تتطلبها الدولة السودانية تحقيقا لنهضتها أبنائها.
وأضاف:” إذ كيف يتم منح القروض والمشروعات التي يتطلبها بناء الدولة ، والدولة في ذاتها تعاني من فشل قيادتها في محاربة الفساد بكافة أشكاله”، مشيرا إلى أن التأكيد على أن ملف مكافحة الفساد لا يقل أهمية عن الحرب باعتبار أن مكافحة الفساد تتطلب اهتماماً أكبر من الحرب ذاتها , وذلك يأتي من أن غاية الحرب الانتصار ، فكيف يتحقق الانتصار والفساد يمشي متبختراً وهو ما يمثل انعكاساً سالباً على الروح المعنوية والنفسية للمقاتلين بكافة أطيافهم وسيضعف لإرادة القتال.
وأكمل “كيف يندفع المقاتل للقتال فداء للوطن بروحه وهناك من يعيش في براثن الفساد المالي غير عابئ بانعكاساته السالبة على الدولة والمقاتلين؟”.
ولفت سليمان إلى أن في الوقت ذاته تتحدث قيادة الدولة لتطلب من المقاتلين ضرورة التضحية والفداء، واعتبرها أنها صورة معكوسة وتعبر عن حالة البؤس و غير مدركة لمآلات ما تقول ، فضلاً عن أنها مدمرة للقيم والأخلاق وجالبة للهزيمة دون شك وتتمثل خلاصتها في الهزيمة الوطنية.
واعتبر سليمان أن التصريحات التي ذكرت ستسبب في عدم مساندة المواطنين للحرب ودعمها بسبب تفشي الفساد داخل مؤسسات الدولة الكبرى، محذراً من أن يكون الخطوة تأثير ميدانياً حيث ستخلوا ميادين القتال من المقاومة الشعبية ويتوقف أثرها الاسنادي وبما يعني فقدان القوات المسلحة للإسناد الشعبي الذي يرفدها بالمقاتلين ، فتحل الهزيمة وعندها سيصبح الكل خاسر.
وحذر الخبير العسكري من استغلال العدو لمثل هذه المواقف، وطالب قيادة الدولة ان تخرج من دائرة الشكوى والتصريحات وتحسم شأن الفساد والمفسدين حسماً رادعاً ، أو أن تقدم استقالتها غير مأسوف عليها.
وأوضح سليمان أن الملاحظ في دائرة الفساد أن التعيين لتولي المسئولية بات يأخذ طابع الشللية وابناء الدفعة والأقارب مع اعتبار عوامل الفشل للنظام السابق والتي كان على رأسها الفساد الذي كان سببه والفاعل فيه الإنسان.
ودعا الخبير العسكري إلى ضرورة تعديل وانشاء القوانين واللوائح الضابطة للسلوك الوظيفي مع التدقيق في الاختيار السليم لمن يتولى المنصب العام، وجزم بأن كل هذه العوامل تؤدي لحسم ضعاف النفوس الذين يستغلون ظروف الحرب ، والتي معلوم أنها ميدان لخلق الفساد والمفسدين ، خاصة في إطار تأمين مطلوبات الحرب بتعددها وتنوع أشكالها.