
لسان حالهم يقول بلادي وإن جارت عليّ عزيزةٌ ، لكنها بحربها قد عزّت عليهم جداً ، وصارت المآسي التي تحكمها تجعل أهلها نعم ضنوا ولم يعودوا (كرامُ)، فالعاصمة التي تخلو من الخدمات ومطلوبات الحياة اليومية وتتناسل فيها الحميات والوبائيات هي أيضاِ تفيض بالسيولة الأمنية وانتشار السلاح في ايدي العامة وهو حال كل السودان ، فاصبحت الحكومة تسعى بأمل لترميم الحياة والمواطنون اللجئين يمسدون وسادتهم بحلم العودة القريبة لكن واقع ظرفهم يقول ضاحكاً (هااااا وووين يا).
القاهرة : ايمن كمون
يقول الشاب ابوبكر الهادي والذي صادفناه في منطقة وسط البلد بالقاهرة : أنا نقلت حياتي كلها إلى هنا .. فتحت متجري، وبدأت في مشروعي الحياتي وأنا الآن مواطن قاهري لاجئ بهوية سودانية اتمنى أن اعود ذات يوم لوسط الخرطوم وافتح دكانتي القديمة واتزوج في حواري بلادي واعيش بها وادفن فيها.
واضاف ابوبكر : اتمنى من الحكومة أنّ تسعى في ترتيب الاوضاع وتأمين العاصمة حتى يتسنى لي واسرتي العودة والعيش فيها.
أبناء البلاد الممزقة
عبد الله حسن برير صحفي يتجول في ازقة القاهرة القديمة ويحضر منتدياتها ويتصفح كتبها قبضنا عليه وهو يحنو رأسه يستمع بخشوع لأحدي أغنيات مصطفى سيد احمد سألناه فاجاب بعد صمت وتنهيدة حارة : نحن أبناء البلاد الممزقة الذين نحمل حلمنا في جيوبنا نطوف به شوارع الملاجئ، نحن الذين افتقدنا دفء بلادنا وبدلناه بزمهرير مدن الصقيع.
صمت ثم واصل في أسف : لا شمس في آخر النفق اليوم ولا تلوح لنا شوارع العودة ، صرنا الغرباء قي الارض وصارت هويتنا مختصرة في (يازول).
اغلب الذين وجدناهم في هذه المنطقة قالوا ذات الكلام وهمهموا به واتفقوا على ضياعهم وتأسوا على الوطن ، اتفقوا في الحزن والامل واختلفوا في التعابيروالصياغات.
نسرين عمر شابة سودانية في العقد الثالث من عمرها تعملُ في إحدى (كافيهات) القاهرة ويبدو التعب في عيونها وحزنها يكسو وجهها قالت رداً على سؤالنا : (متين يالله تاني تلمنا ، عايزين نرجع بلدنا ونعيش حياتنا تاني .. أنا غايتو وقت ما يقولوا الموية جات حاسوق ناس أمي وارجع لاخوي القاعد هناك حارس البيت).
بلاد تمزق ابناءها
في منطقة الهرم بمحافظة الجيزة صادفتنا سيدة سودانية انيقة تفوح منها الروائح السودانية العبقة المعتقة تحمل خضرواتها وهي خارجة من السوق قابلتنا بحنو السيدات السودانيات وحنهن المحترم قالت أنها تعود اصولهت لمدينة الابيض لكنها تسكن في امدرمان واسمها فاطمة عمر اجابت على سؤالنا : الله يرجعنا بلدنا يا اخوي ، الحمد لله الحال مستور وعايشين في أمنٍ وأمان ، أولادنا في المدارس وبناكل وبنشرب كويس ، لكن بابجد فاقدين بلدنا ، وتعبنا من غربتنا لكن تعبنا والله والحرب الفيها دي فرتقتنا.
أما في شارع فيصل حي يقول عنها المصريون عاصمة السودان في إشارة لعدد قاطنيها من السودانيين قابلنا على هاشم وهو من قدامى لاعبي نادي قمة سوداني جالسناه في قهوة فقال لنا : انا منتظر اخلص الكورسات الباخد فيها وارجع السودان عشان امارس مهنة التدريي ، استفدت من تواجدي واسرتي هنا ولي سنيتن بعمل في كورسات وبأهل نفسي اكاديمياً لممارسة هوايتي البحيها ومهنتي التي اتقنها، تاعقدت الموسم الفات مع نادي في الممتاز لكن فظروف دراستي وعدم امكانية اعتدة اسرتي بسبب عدم توفر ضروريات الخياة في السودان ، لكن بعد ثلاث شهور انا راجع وما قاعد هنا دقيقة تاني.
ما بين الأمل الذي تباناه رئيس الوزراء الجديد تسميةً لحكومته، وبين الأمل في قلوب السودانيين اللاجئين في مصر مسافات ومسافات مشيناها ونحن نستمع لألمهم ، ونعيش واقعهم الملئ بالاحباطات والمعاماة والخزلان والفقد.
كلنا كسودانيين نعاني تشتنا بفعل الحرب وتجمعنا بامل الحلم ، لا شئ الآن يسيطر على حوارات السودانيين في مصر غير جدل العودة للوطن وامكانية العيش فيه قريباً.