فن وثقافة

السر قدور .. اسطورة الإبداع وحكاية رجل بأربع قلوب

للشعر سره (الباتع) الذي يتملك وجدانك ، وللحن يده (اللاحقة) التي لن تكون بعيداً منها أبداً ، فالاغنيات شيوخٌ وسادو ، يكتبون ويفعلون سحر الطرب ، وابناس مريدون في طرقها يصل البعض حد اللنجذاب السماوي والدروشة.
وفي حرم الاغنيات ترى الناس حيارى وما هم بحيارى ، وتظنهم محانين يتخاطفهم العشق ، كأنما يساقون إلى الطرب وهو ينظرون.

القاهرة : ايمن كمون
السر أحمد علي محمد الحافظ الذي عرفه الناس (السر قدور) القطب الغنائي السوداني الكبير  ، وهو أحد سادتنا وشيوخنا الكبار في مسالك التغني وعوالم الطرب.
منّ الله بفضله علينا حين هزت أمه زينب بابكر شخيب الملقبة ب(بت البركة) هزت جزع نخل الابداع بقرية الجابراب منطقة أمبوري جنوب مدينة الدامر حاضرة ولاية نهر النيل في العام 1934 فأنجبته إبناً لأبٍ اشتهر بين الناس بسيرة عطرة كيف لا وقد كان مادحاً لسيدي رسول الله صل الله عليه وسلم، كان احمد فدور مداح مُجيد ومغنٍ في الغفلات ذائع الصيت في ثلاثينيات القرن الماضي ، وانجبت له ثلاث أشقاء وكلهم اورثهم والدهم سر الشعر وطريق صنع الغناء وهم عبد المنعم قدور ، الءي اشتهر شاعراً وله ديوانا  بعنوان (عودة) ، وعمر قدور وله ديوانان (عيون الآخرين – وصوت من السماء) ، محمد أحمد قدور وهو شاعر معروف.
بدأ (سرُنا) الصغير حينها تعليمه في إحدى الخلاوي بمسقط رأسه ، ثم انتقل لخلاوي الشيخ المجذوب جلال الدين ، حيث حفظ القرآن بـ”القراءات السبع”، فكان أنّ تمكنه من كتاب الله هذا أنّ جعله يتربع على عرش الصياغات والتعابير واللغة، فاجاد وساد وابدع ، وذلك رغم أنّه لم ينتظم في التعليم النظامي الحكومي المعروف.
فنشأ السر قدور في بيئة من الفنون كبيرة تتكون من ممثلين وشعراء ومطربين معروفين لدى سكان مدينة الدامر وضواحيها والمشهورة بشعرائها وأدبائها الكبار أمثال الشاعر محمد المهدي المجذوب ، والعالم الأديب عبد الله الطيب، والذين شكلوا إلهاماً ومرشداً له.

نبضُ القلب
كان العام 1972 بداية دخول السر قدور الإذاعة  ، حيث تولى وظيفة مراجعة الأغنيات السودانية وترتيبها وكتابة أسماء الشعراء والملحنين وكان عددها أكثر من ألفي أغنيه.
لكنه سريعاً ما عرف كشاعرٍ غنائي متعددِ المواهب، ومع بداية ظهور التلفزيون في مطلع ستينيات القرن الماضي بدأت معرفته بالدراما فهو أيضاً ممثل مسرحي وكاتب وسينارست محيد.
لكن موهبة التلحين عنده سبقت كل ما ذكر في الظهور وعْرف أول ما عٌرف كملحن للقصائد الغنائية وتهافتت عليه المغنون وتنادوا حوله ، ثم تفعّلتِ الجينات فبدأ ما إبن أبيه كمادحٍٍ ومنشدٍ ديني، ومن ثم مقدم برامج تلفزيونية، واهلته قدراته في الكتابة للعمل صحافي فكان أنْ كتب في السياسة والفنون والمنوعات والرياضة وكاتب له مؤلفات وثائقية في فن الغناء والفنانين المغنين في السودان.
يُصنِف النقاد المثقف السر قدور غنائياً من الجيل الثاني لرواد فن الحقيبة في الموسيقى السوداني .

قلبٌ للتغني
في الشعر الغنائي شكل السر قدور واحدة من أفخم الثنائيات الغنائية في تاريخ الغناء السوداني مع الفنان الأسطورة (إبؤاهيم الكاشف) حيث قدما معاً حوالي العشرين أغنية اشهرها الوطنية (أرض الخير) وأغاني (المهرجان – ياصغير – طار قلبي بجناح النسائم – الشوق والريد) وغيرهم من جميى الأغنيات.
كما وتغنى له للفنان الراحل (العاقب محمد الحسن) أغنيات(غني يا قمري – اتلاقينا مره – حيرني غرام – الحلو الأسمر ناداني).
وتغنت له الفنانة الراحلة (منى الخير)  بواحدة من روائع الغناء السوداني (تخاصم يو) ،
أما الفنان صلاح البادية فقد تغنى له ب(أولاد النيل – ست البنات – زي القمر – طول يا ليل).
ووكتب السر قدور كذلك أشجى أغنيات الفنان كمال ترباس (ياريت – بسأل عليك – نسيم شبال – عيونك فيها شئ يحير – الريج يجمع ويفرق بحر – سايق دلالو علي) وهي من أمهات أغنيات الغناء الشغبي في السودان.

الغريد أحمد الجابري غنى للسر قدور  أغنية (ناعم) والتي كانت مختلفة شعراً ولحناً واداء اجاده الحابري وتفنن فيه. كذلك تغنى له الفنان محمد ميرغني بواحدة من أجمل أغنيات اللوعة والبكاء (حنيني إليك).

قلبٌ ومسرح
سيرته في الدراما لا تقل عن مشواره المبدع في الشعر والموسيقى حيث شارك السر قدور في التمثيل في عدد من الأعمال المعروف منها (جيت ليوم واحد –  على عينيك يا تاجر – السنارة المحروسة ).
كما اشتغل اعمالاً  للروائي العالمي الطيب الصالح حولت إلى أفلام سينمائية ( عرس الزين  – المريود).
لم تتوقف مسيرته في الغناء عند الشعر والألحان بل سعى أيضاً في التوثيق للموسيقى والغناء في السودان
فكنب عدداً من الكتب عن الفن السوداني والمغنيين السودانيين منها :
– كتاب الفن السوداني في خمسين عام منذ 1908 إلى 1959- كتاب الحقيبة شعراء وفنانون – وأحمد المصطفى فنان العصر – الكاشف أبو الفن – كتاب أمين التوم «رحلة في تاريخ الوطن» . كتاب قراءة ثانية – كتاب زمان الناس)
وللسر قدور ديون شعر لقصائده الغنائية حمل إسم واحدة من أغنياته المجيدة ديوان (الشوق والريد).

شاشةُ القلب
عقلية البرامجي الفذ والمتمكن الشفيع عبد العزيز مدير برامج قناة النيل الأزرق في العام 2006  استهلمت فكرة برامجية مختلفة واوكلت تقديمها للشاعر (السر قدور) فكان أنّ قدم واحد من أشهر البرامج الغنائية والرمضانية في السودان (أغاني وأغاني).

شخصية السر قدور المحبة للحياة الرافضة للظلم جسدتها كتاباته الجسورة مما ادخله في صدام مع نظام الدكتاتور  جعغر محمد نميري والذي بدأ في مضايقته فحمل الشاعر الرقيق والكاتب المرهف اوراقه ووقلبه وغادر السودان في عام  1974م نحو قاعرة المعز حيث استقر وتزوج وانجب بناته ( نبيلة، أمل، ثريا، زينب)  وطاب به المقام ولم يعد في السودان إلا بعد ربع قرنٍ من الزمان في العام 2000م في ذات الكائرة التي اعادت ايضاً السياسي والمهاجر حينها الإمام الصادق المهدي.

وصحيح أنّ للعمر احكامه وللمرض سطوته وولموت ميقاته الذي حان ، إذ اسلم المثقف والمبدع السوداني السر قدور روحه لبارئها صبيحة  يوم 31 مارس 2022م عن عمرٍ ناهز ال 88 عاماِ عامرةً بالبذل والعطا والحب ونشر الجمال واللطف.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى